ظل يبحث عن مكان
يمكنه من الجلوس وحده ؛ فقد ملّ الزحام ، كره وجوده بين هؤلاء الذين يدعون على انفسهم
بشرا ، قد اقترب بركان غضبه أن ينفجر من كثرة العبارات التى يقرأها من خلال نظراتهم
إليه ؛ فى محاولة منه بالهروب إلى مكانه المفضل الذى يشعر فيه ولأول مرة بإنه إنسانا
لا أحد يتملقه ، لا أحد يلفظه ، لا أحد يحمله جزاء ذنبا لم يقترفه ولكن ليت كل شئ بالتمنى
يتحقق .
فأين يجد ذلك المكان
وسط هذا الكم من الزحام ، قرر أخيرا الرحيل فى رحلة وهمية خارج نطاق الواقع وأنفصل
عن كل ما يوجد من حوله من مؤثرات لتبدأ الأسئلة تضرب عقله الصغير مرة يمينا وأخرى يسارا
....
شعورا يقتله فى
اليوم ألف مرة ومرة ، يجعله يفكر لو أنه يستطيع كسر حاجز الزمن بين ثالوثه ربما يعود
إلى الماضى حيث كانت بدايته ومنعها من الحدوث بعد قتل ذلك الشخص الذى ــ لا يعرف له
شكلا ــ تسبب فى تعاسته فى نظرة الناس المتملقة من حوله ، تشرده فى أعينهم ؛ أو يذهب
نحو المستقبل ربما يجد هناك أناس يعرفون شيئا من الرحمة ، شيئا من الشفقة ، أناس يعملون
عقولهم للحظة واحدة من الزمن فيصل لخلدهم بأن ليس له ذنب فى ما هو فيه ومن مثله .
لقد أتقن قراءة
ما تخفيه أعينهم من عبارات وما يفكرون به دون النطق ؛ تمنى لو أن أحدا يستطيع أن يقرأ
ما تخفيه عينه من كلمات وعبارات أخرى يدافع بها عن نفسه ربما يفهم البعض منها كيف أتى
إلى هذه الحياة ؟، كيف آل به الحال هكذا ؟! لكن أين يجدهم فكل من حوله صمٌ بكم ٌعمىٌ
لا يفقهون شيئا .
كم أراد أن يخبرهم
بأن ليس من طبعه العنف ، إنه يريد أن يكسب رزقه مثل الأخرين ليكفيه ذل السؤال ، ولكن
أنىّ له ذلك والمجتمع من حوله يلفظه وكأنه آفة من آفاته السقيمة ، لم لا يوجد أحد يريد
أن يتقبله ....؟! لم يتحمل جزاء ذنب لم يقترفه ....؟! لم يلام على أخطاء غيره ....؟
....
أسئلة تمنى لو
وجد لها إجابة غير الإجابة العقيمة التى أتقنها كل من حوله ...
يريد أن يخبرهم
بأنه وأمثاله كالقنبلة الموقوتة كادت أن تنفجر ، كاد أن يصير الوحش الذى خلقته نظراتهم
وما يقرأه فى عيونهم يلتهم كل ما يقف أمامه
؛ يريد أن يثبت لهم بأنه لا فرق بينه وبينهم سوى القليل من الأشياء لو حصل عليها لأصبح
واحدت منهم له مكانته بينهم ، إنه لو وجد شخصا يهتم لأمره ، يسهر على راحته ، يهرول
به عند المرض لمعالجته ، أحد يعلمه سلوكيات الحياة ، لو تعاملوا معه مرة واحدة كإنسان
لعرفوا حينها بأنهم بنوا العديد من الأفكار الخاطئة على مجمتعه من خلال أفكارهم العقيمة
التى جعلتهم منبوذين من قبل المجتمع ككل؛ لتغيرت نظرتهم وعرفوا بأنهم سلاح ذو حدين
الأول منهم ذو منفعة للمجتمع والآخر يكاد أن يهلكه ، لو أحسنوا معاملتهم لأصبحوا ترسا
فى عجلة التنمية ، ولو ظلوا على أفكارهم لأصبحوا فيروسا لن يكون له علاج ولا مضاد لأنه
لن ينفع حينها البكاء على اللبن المسكوب .
ترتسم عبارات الاستغراب
والتكهن على وجهه من مجتمع يتقبل ما فيه من مفسدين ، من لصوص ، مْن انتهكوا تقاليد
وسلوكيات الحياة الصحيحة رغم أن هناك من يوجههم ويلقون جمّ غضبهم من خلال نظراتهم المتملقة
لمجتمع أخر ربما لو اتيحت لهم الفرصة لغير من شأنه تماما .....
موجها نظره نحو
السماء ربما يجد بوادر غيث تنذر بقرب الطوفان لينظف تلك الأفكار كى ينتهى من عنائه
المتواصل ويبدأ مجتمع لا حياة فيه للعقيم من الأفكار أو آفاته الحالية ، أو أن يجد
الخلاص متمثلا فى ملك الموت بعد أن ذبلت ورقة عمره وسقطت أخيرا وينتهى من الحياة قبل
أن تبث الروح فى الوحش الذى خلق
بداخله ....
ليصرخ بصوت مرتفع
وحشا أم إنسانا تريدون أن أكون ............؟!!
elgharieb